منذ سقوط الدكتاتور أو منذ سقوط بغداد، سأترك للقارئ أن يختار كتابة التأريخ كما يحلو له، إلاّ أن ما يهمني الآن هو تأريخ اليوم الذي بدأت به هذه التراجيديا
أي منذ التاسع من نيسان أبريل لعام 2003 حيث يمكننا القول بأن مئات الآلاف من العراقيين قد قُتلوا وما يزالون يُقتلون والموتُ هو سيّدُ هذه البلاد ولن نختلف على الأرقام بمئة ألف أقل أو مئة ألف أكثر لا يهم. إن ما يعنيني هو هذه الحالة الغريبة أي حالة الازدهار الدموي التي صار فيها قتلُ العراقيين نوعاً من التجارة أو الهواية وحتى الرياضة..
الكلّ يُعبّئ وكلٌّ يغنّي لقاتله وسفّاحه فالتلفزيونات العربية وعلى لسان جميلاتها بأحدث أزيائهن وأعلى درجات المكياج Make up وبالابتسامات الناصعة التي تصلح خصوصاً لاعلانات الترويج لمعاجين الأسنان تدعو بطريقة أو بأخرى لسفك الدم العراقي من خلال برامج عن صناعة الموت وريبورتاجات تقدم قتلة الشعب والأبرياء كمناضلين مؤمنين، موحّدين جدد إلههُم الأعلى القتل، يصطف معهم وفي نفس الكورس الغريب الأطوار شيوخ ودعاة من أعلى المنابر والمحافل الدينيّة يطوّبون القتلة ويبيحون الدم...
إلى جانبهم أيضاً تلتحق جحافل القوميين والعروبيين بكل اشكالهم بعد أن أخفقوا في كل مراحل حياتهم ونضالاتهم ودفعوا بآلاف الشهداء مجاناً في ساحات نضال عقيمة ومجانية وجدوا أخيراً موقعاً يلمّعون فيه شارتهم الصدئة أو المتخثّرة، كُلّ هؤلاء، إجتمعوا ناسين كل تناقضاتهم وحتى الحروب فيما بينهم ليلتئموا في جوقة لا مثيل لها وفي نشيد واحد هو إباحة الدم العراقي..
إنني على سبيل المثال، أعرف من مصادر رسمية في العراق أن هناك أكثر من 500 مكتب في العالم أجمع مهمتها استقدام «القنابل البشرية» لتفجيرها في الأسواق والجوامع والجامعات في كل أنحاء العراق وإذا ما عملنا إحصائية سريعة لإنتاج هذه المكاتب وافترضنا أن كل مكتب يستطيع تعبئة عشرة قنابل بشرية فإن مجموع 5000 من هؤلاء الانتحاريين يصلون العراق ليعبروا منه إلى الجنائن والبطولات ويتوجون بالشهادة...!
من هنا يمكن عمل إحصائية بسيطة لعدد القتلى من العراقيين تتجاوز مئات الآلاف سنوياً في كل مرافق الحياة ومن مختلف الطوائف والعرقيات لأن الشارع العراقي ليس طائفياً ولا المدرسة ولا السوق ولا حتى أماكن العبادة...
نحن نعرف أن وراء كل عملية قتل أو اغتيال أيّاً كان نوعها أسباب ودوافع إما أن تكون سياسية أو دينية أو إرتزاقية أو بطولية أو لغرض شخصي إنتقامي فردي أو جمعي لكن المفارقة في القتل ضد العراقيين اليوم هو أن كل هذه الأسباب يمكن أن تجتمع وراء كل جثة عراقية تقسط اغتيالاً، فالقاتل للعراقي هو بطل قومي وهو شهيد تنتظره الجنان بعذراواتها وهو مكسب مادي إرتزاقي إذ يحقق دخلاً وعائداً مالياً لا يستهان به، كلها تجتمع وراء أي من عمليات القتل الجماعية أو الفردية ضد العراقيين!. لم يحدث مثل هذا من قبل حيث أن واحداً من تلك الأسباب كان يكفي للقائمين بعمليات القتل والاغتيال أما كونها كلها مجتمعة مرّة واحدة فإن في هذا تحفيز لا سابق له وهو عملية انتحارية بامتياز ولعل هذا السبب هو الذي يقف وراء كثرة المرشحين لهذه العمليات...
إن آخر المشاهد المروعة لهذا القتل هو ما حدث الشهر الماضي عندما قَتلَ مسلحون أكثر من سبعين شخصاً وجرحوا أكثر من ثلاثمائة شخص في كنيسة سيدة النجاة وهم يصلّون.. قتلوا المصلّين والقساوسة والنساء والأطفال في قلب بغداد وأعلنوا ذلك بأنفسهم أنهم قاموا بهذه العملية إحتجاجاً على «إحتجاز» مصرية مسيحيّة أسلمتْ ووضعتْها الكنيسة القبطية في دير...
ربما تضيف هذه العملية سبباً نوعياً جديداً لقتل العراقيين لم يحصل في مختلف العمليات السابقة وهو أن العراقي يقتل لمطاليب دينية في بلدان أخرى.. وهكذا قتل وجرح المئات من أجل إطلاق سراح «أسيرة» مصرية... لم يطلق سراحها ولكن النعوش العراقية واصلت مسيرتها إلى المقبرة..
ما هذا؟ كيف يمكن وصف مثل هذه الممارسات التي لا تعرفها حتى أبشع القواميس البربرية التي حفلت البشرية بها عبر تأريخها؟!
الغريب في الأمر أن أعداداً من العراقيين أنفسهم دخلوا في هذه الحمّى الدموية من كل أبوابها وصاروا أدوات وسكاكين وأبواقاً في حلبة الدماء والدمار الذاتي هذه...
ولا أدل على ما أقول ما شاهدتُه بنفسي في أولى زياراتي للعراق عام 2003 حيث فوجئت وأنا أتجول في أحد الأحياء الشعبية ببائع متجول يدفع أمامه عربة مليئة – كما بدت لي من بعيد – بنوع من الفاكهة المعتمة اللون وما إن اقتربتُ من البائع حتى وجدتُ أنه يبيع «رمّانات»للتفجير وليس فاكهة رمّان وكان ينادي بأعلى صوته: «صفّي حسابك بدولار»...
إذن عزيزي القارئ هل تريد أن تقتل عراقيّاً؟ كيف يكون الجواب بـ لا...؟
الكلّ يُعبّئ وكلٌّ يغنّي لقاتله وسفّاحه فالتلفزيونات العربية وعلى لسان جميلاتها بأحدث أزيائهن وأعلى درجات المكياج Make up وبالابتسامات الناصعة التي تصلح خصوصاً لاعلانات الترويج لمعاجين الأسنان تدعو بطريقة أو بأخرى لسفك الدم العراقي من خلال برامج عن صناعة الموت وريبورتاجات تقدم قتلة الشعب والأبرياء كمناضلين مؤمنين، موحّدين جدد إلههُم الأعلى القتل، يصطف معهم وفي نفس الكورس الغريب الأطوار شيوخ ودعاة من أعلى المنابر والمحافل الدينيّة يطوّبون القتلة ويبيحون الدم...
إلى جانبهم أيضاً تلتحق جحافل القوميين والعروبيين بكل اشكالهم بعد أن أخفقوا في كل مراحل حياتهم ونضالاتهم ودفعوا بآلاف الشهداء مجاناً في ساحات نضال عقيمة ومجانية وجدوا أخيراً موقعاً يلمّعون فيه شارتهم الصدئة أو المتخثّرة، كُلّ هؤلاء، إجتمعوا ناسين كل تناقضاتهم وحتى الحروب فيما بينهم ليلتئموا في جوقة لا مثيل لها وفي نشيد واحد هو إباحة الدم العراقي..
إنني على سبيل المثال، أعرف من مصادر رسمية في العراق أن هناك أكثر من 500 مكتب في العالم أجمع مهمتها استقدام «القنابل البشرية» لتفجيرها في الأسواق والجوامع والجامعات في كل أنحاء العراق وإذا ما عملنا إحصائية سريعة لإنتاج هذه المكاتب وافترضنا أن كل مكتب يستطيع تعبئة عشرة قنابل بشرية فإن مجموع 5000 من هؤلاء الانتحاريين يصلون العراق ليعبروا منه إلى الجنائن والبطولات ويتوجون بالشهادة...!
من هنا يمكن عمل إحصائية بسيطة لعدد القتلى من العراقيين تتجاوز مئات الآلاف سنوياً في كل مرافق الحياة ومن مختلف الطوائف والعرقيات لأن الشارع العراقي ليس طائفياً ولا المدرسة ولا السوق ولا حتى أماكن العبادة...
نحن نعرف أن وراء كل عملية قتل أو اغتيال أيّاً كان نوعها أسباب ودوافع إما أن تكون سياسية أو دينية أو إرتزاقية أو بطولية أو لغرض شخصي إنتقامي فردي أو جمعي لكن المفارقة في القتل ضد العراقيين اليوم هو أن كل هذه الأسباب يمكن أن تجتمع وراء كل جثة عراقية تقسط اغتيالاً، فالقاتل للعراقي هو بطل قومي وهو شهيد تنتظره الجنان بعذراواتها وهو مكسب مادي إرتزاقي إذ يحقق دخلاً وعائداً مالياً لا يستهان به، كلها تجتمع وراء أي من عمليات القتل الجماعية أو الفردية ضد العراقيين!. لم يحدث مثل هذا من قبل حيث أن واحداً من تلك الأسباب كان يكفي للقائمين بعمليات القتل والاغتيال أما كونها كلها مجتمعة مرّة واحدة فإن في هذا تحفيز لا سابق له وهو عملية انتحارية بامتياز ولعل هذا السبب هو الذي يقف وراء كثرة المرشحين لهذه العمليات...
إن آخر المشاهد المروعة لهذا القتل هو ما حدث الشهر الماضي عندما قَتلَ مسلحون أكثر من سبعين شخصاً وجرحوا أكثر من ثلاثمائة شخص في كنيسة سيدة النجاة وهم يصلّون.. قتلوا المصلّين والقساوسة والنساء والأطفال في قلب بغداد وأعلنوا ذلك بأنفسهم أنهم قاموا بهذه العملية إحتجاجاً على «إحتجاز» مصرية مسيحيّة أسلمتْ ووضعتْها الكنيسة القبطية في دير...
ربما تضيف هذه العملية سبباً نوعياً جديداً لقتل العراقيين لم يحصل في مختلف العمليات السابقة وهو أن العراقي يقتل لمطاليب دينية في بلدان أخرى.. وهكذا قتل وجرح المئات من أجل إطلاق سراح «أسيرة» مصرية... لم يطلق سراحها ولكن النعوش العراقية واصلت مسيرتها إلى المقبرة..
ما هذا؟ كيف يمكن وصف مثل هذه الممارسات التي لا تعرفها حتى أبشع القواميس البربرية التي حفلت البشرية بها عبر تأريخها؟!
الغريب في الأمر أن أعداداً من العراقيين أنفسهم دخلوا في هذه الحمّى الدموية من كل أبوابها وصاروا أدوات وسكاكين وأبواقاً في حلبة الدماء والدمار الذاتي هذه...
ولا أدل على ما أقول ما شاهدتُه بنفسي في أولى زياراتي للعراق عام 2003 حيث فوجئت وأنا أتجول في أحد الأحياء الشعبية ببائع متجول يدفع أمامه عربة مليئة – كما بدت لي من بعيد – بنوع من الفاكهة المعتمة اللون وما إن اقتربتُ من البائع حتى وجدتُ أنه يبيع «رمّانات»للتفجير وليس فاكهة رمّان وكان ينادي بأعلى صوته: «صفّي حسابك بدولار»...
إذن عزيزي القارئ هل تريد أن تقتل عراقيّاً؟ كيف يكون الجواب بـ لا...؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق